الحمد لله وصلى الله وسلم على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد: فعندما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجراً من مكة إلى المدينة وقف على مشارف مكة وقال ( والله إنَّك لخير أرض الله، وأحبُّ أرضٍ إليَّ، ولولا أنَّ أهلك أخرجوني منك ما خرجت”على اختلاف الروايات.. فبالرغم مما تعرض له الرسول صلى الله عليه وسلم من معاناة وإيذاء واضطهاد ومحاصرة وتضييق ومنعه من الطعام والشراب ومطاردته وطلب قريش له لقتله، إلا ( وهنا الوقفة) عندما أذن الله له بالهجرة من مكة إلى المدينة أراد أن يعلمنا الحب والولاء والانتماء الحقيقي للوطن { فيفصل} ما بين حياته التي عاشها في مكة من إيذاء واضطهاد وغير ذلك مع البشر الذين عاش معهم وعاشوا معه في بلد واحد، وما بين البلد أي الأرض الذي ولد عليها وسكن على ظهرها وأكل من خيرها وشرب من مائها ، أي وكأن لسان حاله يريد أن يقول لنا (وما ذنب البلد وما ذنب الوطن؟) أي أن الوطن نفسه لا ذنب له وهذا هو المفهوم الذي ينبغي أن نفهمه وهو أن تفرق بين ما حياتك مع من حولك من البشر وبين الوطن كوطن
فالإنسان منا يعيش حياته كما قال الله تعالى ( لقد خلقنا الانسان في كبد) وربما يقدر الله على الإنسان رزقه كما قال تعالى ( وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه) سورة الفجر والرزق كما نعلم ليس مالاً فقط وإنما كل ما يعيش به الإنسان أو يعيش معه أو يعيش فيه هو رزقه..فالمال والصحة والعلم والعمل وغيره رزق ، والوالدين والزوج والولد والأخ والجار والصديق رزق ، والبلد والشارع والمسكن والمركب رزق ، إذا أنت ورزقك..وبالتالي الوطن والبلد الذي تعيش فيه لا ذنب له، فلا يحق لك بأي حال من الأحوال أن تفسد فيه ما أصلحه غيرك لك ولمن بعدك ، ولا يحق لك أن تلعن البلد الذي ولدت فيه ونشأت على أرضه وأكلت من خيره وشربت من مائه وربما تدفن في ترابه، ولا يحق لك حتى أن تدعو عليه، بل عليك أن تمد يد العون والمساعدة وأن تقدم ما في وسعك من أجل بلدك حتى ولو بالكلمة الطيبة أو الدعوة الخالصة لله تعال، فمن حق أولادنا عندما ينشئون أن يجدوا وطناً يعيشون فيه كما عشنا يأكلون كما أكلنا ويشربون كما شربنا ويلبسون كما لبسنا ويتعلمون كما تعلمنا ويعمرون كما عمرنا..فنترك لهم كما تركوا لنا من سبقونا فلقد زرعوا لنا لنأكل نحن، فهل لو زرعنا ليأكل من بعدنا ؟
اللهم احفظ مصر قيادة وشعباً وجيشا وأمنا وأزهرا وكنيسة وسائر بلاد العالمين اللهم آمين.