قال الله تعالى : « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ » .
وقال الله تعالى: « لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ » صدق الله العظيم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، في الأُولَى وَالآخِرَةِ قالوا: كيفَ؟ يا رَسُولَ اللهِ، قالَ: الأنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِن عَلَّاتٍ، وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، فليسَ بيْنَنَا نَبِيٌّ.»صحيح مسلم.
الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى جميع إخوته من الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا وبعد –
ما أحوج العالم في شتى بقاع الأرض إلى التسامح الحقيقي الذي يستطيع من خلاله أن يؤدي الإنسان رسالته على وجه الأرض ، وما أحوجه إلى التعايش السلمي والإيجابي الذي يمكنه من إعمار الأرض، ولم ولن يستطيع الإنسان أن يؤدي رسالته من عبادة ، وإعمار إلا إذا عاش في أمن وأمان ، وسلم وسلام ، ومن هنا كان التسامح قيمة أخلاقية، وضرورة مجتمعية وهو الحل لتمكين بني البشر من القيام برسالتهم على وجه الأرض ، ولقد دعانا الإسلام إلى ذلك ، فنادى بالتعارف على الناس كافة فقال تعالى: « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ » وأمر بالإحسان ، والعدل ، والبر ، ونهى عن الإساءة ، والظلم ، والفجور ، دون النظر إلى دين ، أو لون ، أو جنس ، على اختلاف عقائد الناس وشرائعهم ، غايته السعي إلى تحقيق الأخوة الإنسانية التي تقتضي التعارف ، والبر ، والاحترام ، وقبول الآخر ، والتعايش السلمي ، ليسود جو من الإخاء والتسامح بين بني البشر ، بصرف النظر عن جنس ، ولون ، ومعتقد ، كما نادى بذلك القرآن الكريم في قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ…).
وهذا ما أقره الرسول صلى الله عليه وسلم حين هاجر من مكة إلى المدينة المنورة كان أول ما بدأ به هو بناء المسجد ، وآخى بين المهاجرين والأنصار ، ووضع صحيفة المعاهدة مع اليهود الذين كانوا يسكنون المدينة، والتي نصت على تحقيق العدالة والمساواة التامة بين البشر ، وأن يتمتع بنو البشر على اختلاف ألوانهم ولغاتهم وأديانهم بالحقوق والحريات بمختلف أنواعها. فكفلت لهم الحريات ، كحرية العقيدة ، والعبادة وحق الأمن، فحرية الدين مكفولة ، للمسلمين دينهم ولليهود دينهم، مبدأه في ذلك قول الله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) وكان هذا نموذجا فريدا وتطبيقا عمليا للدولة الإسلامية ، نفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حسن التعايش مع الآخرين من غير المسلمين، ودليلا على أن الإسلام دين لا يرفض ولا ينبذ الآخر على الإطلاق وأنه يقر بالاختلاف بين الناس في أشكالهم وألوانهم ومعتقداتهم ، وأن هذا الاختلاف سنة الله في خلقه ، فالأخوة الإنسانية تقضي بالاعتراف بحق الآخر في التعايش السلمي وقبوله ، وحريته ، وعدم التعرض له بما يؤذيه أو يضيق عليه .
وإذا كان هذا هو ندائنا للعالم كله في شتى بقاع الأرض ، وخطابنا لبني البشر في مشارق الأرض ومغاربها على اختلاف أجناسهم ، وألوانهم ، ومعتقداتهم ، فكيف يكون النداء وكيف يكون الخطاب لأبناء الوطن الواحد خاصة عندما يكون هذا الوطن هو البلد الحبيب والعزيز على قلوبنا « مصر» الذي يسكن فينا ولا نسكن فيه كما قال البابا شنوده قولته المشهورة : « مصر وطن يعيش فينا وليس وطن نعيش فيه»
أليس وطني هو الأحق والأولى بهذا الخطاب وبهذا النداء ؟ خاصة في هذه المناسبات الدينية والاجتماعية والإنسانية التي تجمعنا ونجتمع فيها على الأخوة والترابط وحب الوطن .
يا أبناء وطني إياكم والدعوات الهدامة التي ينادي بها إما جاهل ، وإما حاقد أو حاسد ، وإما لا يريد لهذا الوطن الخير والاستقرار فينفث سمه في العسل ، كفانا الله شره ، وحفظ الله وطننا منه .
فلا مانع شرعاً وإنسانية أن نهنىء إخواننا الأقباط بأعيادهم وبمناسباتهم ويكون بيننا وبينهم مشاركة مجتمعية ينتج عنها وحدة وطنية ، وقوة اجتماعية ، وهذا لون من ألوان البر الذي حدثنا الله عنه في قوله تعالى « لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ».
كل عام ونحن جميعا بخير مسلمين وأقباط، أقباط ومسلمين فكلنا أبناء وطن واحد تحت قيادة واحدة ، قيادة القائد الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية حفظه الله ورعاه وسدد خطاه .
حفظ الله مصر قيادة وشعبا وجيشا وأمنا وأزهرا وكنيسة وسائر بلاد العالمين